26 November 2007


طابور العيش... الألبوم المتجدد المتكرر لصورٍ من وجوه البشر و مواقفهم

اليوم لم أتذمر من ضياع الوقت في طابور العيش
ساعة إلا الربع قضيتها واقفاً و لم أشعر كيف انقضت

أمامي رجل ناصع بياض الشعر يرتدي بذلة يرجع عمرها إلى أيام شبابه... متأنق في مظهره رغم بساطته الشديدة و منه يفوح عطر" اللافندر" الذي اعتاد جدي (رحمه الله) وضعه في المناسبات و في يده صحيفة اليوم


كان تارة يحث من أمامه ألا يسمحوا لـ ( حماده الفران) بأن يبيع إلا لمن بالصف، و تارة يوجه الكلام لـ (حماده) بنفسه، و تارة أخرى يلتفت لزوجته - التي تحمل حفيدهما و تنتظره على بعد أمتار- و يلوح له و يداعبه فيشيرإليه ويقهقه و يناديه بـ (دِدُو) فتضحك الجدة


الجدة أيضاً امرأة طيبة، بسيطة ، في وجهها البشوش نور و قسماته تؤرخ لقصة كفاح و مشوار طويل، جميل مع الجد


أخيراً حصل الجد على أرغفته الخمسة فحملهم على الجريدة و خرج من الطابور فتبعته ببصري حتى توقف جوار الجدة، ثم سحب من الجريدة صفحة لا يهتم بقراءتها و انحنى في صعوبة يضعها على الرصيف ليُفرِد عليها الخبز


الصغير يحب أكل الخبز الطازج... هكذا بدا عليه لما اشتم رائحته و بسط راحتيه الصغيرتين طالباً الخبز... فانتقى الجد رغيفاً و قسمه ليبرد كي لا يؤذي لسان حفيده، بينما الجدة غير راضية عن هذا


!عيش حاف كده؟؟!!... استنى نروَح يابني يا حبيبي و نحط فيه حتة جبنه وللا حلاوة


لكن الجد و الحفيد كانا أغلبية... فاستسلمت و أطعمت الصغير بنفسها


الهواء بارد في هذا اليوم من نوفمبر، فسرعان ما انحنى الجد يجمع الخبز و يضعه في شنطة الجدة القماشية ثم سارا متقاربين و حمل هو الصغيرعنها و لم يتسن لي متابعتهم أكثرمن ذلك إذ استوقف الجد سيارة أجرة سمعته من بعيد يقول لسائقها : المعاشات


التقت عينانا... انا و الحفيد، فابتسمت و لوحت له مودعاً... و كذلك فعل هو من خلف الزجاج و سيارة الأجرة تبتعد
moro

Labels:

 
19 November 2007



اسكندرية ........ محطة ترام
قليلون هم من يصعدون أو يهبطون من الترام على هذه المحطة… لذا لا نجد أكثر من ستة إلى سبعة أفراد منتشرين بالمحطة بانتظار الترام صباحاً.
كان يشتري البسكويت "على سبيل الإفطار" من ذاك البائع على رصيف المحطة و دار بينهما حوار قصير صاحبه دخول الترام إلى المحطة:

بكام ده؟… بربع جنيه باين؟
ربع جـِنـِي ايه يا بيه؟!... و ده عاد يعمل ايه؟!.. نـُص جـِنـِي ياخويا صباحك حليب…

بدأ الترام في الحركة إذ لا يطيل التوقف في هذه المحطة الغير نشطة… فلم يطل الجدل مع البائع و ناوله ما طلب قبل أن يبرر موقفه بارتفاع سعر صرف الدولار أو اليورو… ثم قفز إلى العربة الأخيرة من الترام.
و كذلك فعلت هي أيضاً… إذ وصلت متأخرة إلى المحطة مع تحرك الترام فلم تلحق بعربة السيدات و بالكاد نجحت في التشبث بالماسورة المعدنية عند باب العربة الأخيرة الخلفي و صعدت إليها قبل إغلاق الأبواب.
كلاهما يقطن بالجوار… لا يعرفها ولا تعرفه أيضاً.. فقط اعتاد كل منهما على رؤية الآخر على رصيف المحطة صباحاً حتى بات الأمر عادياً غير ملفت للنظر.
الكمساري يمر بين المقاعد عبر العربة ، ينقر المواسير المعدنية بالعربة بما في يده من عملات لينتبه من لم يقطع تذكرة بعد…
الكمساري يصر أنه لا يستطيع (فك ورقة بعشرين ع الصبح كده!!) … بينما هي تقسم بأغلظ الأيمان بأنها لا تملك ورقة نقدية من فئة أقل…
هنا يقترب "هو" و يتدخل … استأذنها و ناول الكمساري الـ (ربع جنيه المخروم) الذي أبى البائع على الرصيف أن يأخذه… فانتهى الجدال..

فيها ايه يعني؟!.. ما بتحصل ياما و الكمساري بيبقى ذوق و بيفك الفلوس من أقرب محطة و للا من زميله في عربية تانيه في الترام… أوففففف
حصل خير ..حصل خير
بس حضرتك … مش هينفع …
يا فندم مفيش حاجة.. أنا مسامح فيه و الله.. بعد إذنك
و ابتسم في تهذيب .. و ابتعد ليقف جوار النافذة


غاب عن عمله ليومين لإنشغاله بإجراءات السفر للعمل بالخارج , ثم عاد إليه من جديد لإنهاء إخلاء الطرف و شهادة الخبرة.
و على رصيف المحطة التقاها…" أشهرت" في وجهه (ربع جنيه مخروم) و…
متشكرة جداً يا فندم … أنا بس بقالي يومين مسافرة فماقدرتش أردهولك تاني يوم على طول…
اتسعت ابتسامته و عجز عن التعبير ثم التقط قطعة العملة من بين أصابعها.


في الصباح التالي ... و رغم أنه لم يكن ذاهباً للعمل … نزل إلى محطة الترام في موعده اليومي…
و كانت هناك… اتجه إيها داعياً الله أن يشرح صدره و أن يحلل عقدة من لسانه…
جلس على مقعد مجاور لها… التقت عيناهما.. لكن بلا تعبير أو انفعال أو تحية
إلا أنه بداخل كل منهما ابتسامة عريضة و خجل شديد…

آآآ… هو…احم… الربع جنيه مش لسه برضه حد أدنى للمهر؟؟؟
نعم؟!؟!؟!
أنا فاضللي في مصر أسبوع… و عاوز أتقدملك…………..

في هذا اليوم انتظرها على المحطة حتى عادت من عملها… و تبعها حتى عرف بيتها
و في ليلة قراءة الفاتحة أهداها سلسلة فضية لها دلاية ليست إلا (ربع جنيه مخروم)….
و أهدته هي إياها من جديد حين امتلكا أول سيارة ليعلقها في المرآة فيتذكرها دائما و ليتذكرا قصتهما معاً كلما سألهما أحد عن قصة تلك العملة المعدنية……
ربع جـِنـِي ايه يا بيه؟!... و ده عاد يعمل ايه؟!..

moro

Labels: